* * * * *
ثم لنلاحظ أن عبارة " مُبَارَكٌ اللهُ ابو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ " تجيء في الأصل (كما في معظم الترجمات) هكذا " مبارك إله* وابو ربنا يسوع المسيح " وهذا يرينا ربنا يسوع المسيح في علاقة مزدوجة مع الله، فهوالإنسان الفريد الكامل – الإنسان الوحيد الذي مجد الله هنا على الأرض في حياته وفي موته – الإنسان الذي كان بحسب فكره والذي وجد فيه كل سروره، فمن هذا الوجه كان الله إله (مز22 : 1، مت27 : 46، مز45 : 7، عب1 : 9) ولكنه في الوقت نفسه هو ابن الله أيضاً. هو ابن الله من وجهين. انه ابن الله الأزلي – هو الله الكلمة " وكان الكلمة الله " (يو1 :1) أن ربنا يسوع المسيح هو الابن الوحيد للاب منذ الأزل " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب " هذا هو الحق الإلهي الواضح في كل الكتاب المقدس (يو1 :1و2و14و18، 3 : 16، 10 : 30، 17 : 5و24، 1يو1 : 2، عب1 : 8 وشهادات أخرى عديدة) كذلك هو ابن الله بتجسده و ولادته من العذراء " أَجَاب الْمَلاَكُ : «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أيضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابن اللهِ " (لو1 : 35).
ولقد أو ضح الرب له المجد هذه الحقيقة الثنائية، إذ كانت أول رسالة أرسلها لتلاميذه بعد قيامته من الأموات هي قوله لمريم المجدلية " اذهَبِي إلى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ : إِنِّي أَصْعَدُ إلى ابي وَابيكُمْ وَإلهي وَإِلَهِكُمْ " (يو20 : 17) وعلى أساس موته وقيامته أدخلنا
" Blessed be the God and Father of our Lord Jesus Christ "
معه في هذه العلاقة المزدوجة، والتي هو فيها متميز عنا بلا شك. انه تبارك اسمه، " البكر بين أخوة كثيرين "
* * * * *
عندما وصل بولس إلى أفسس وجد إثني عشر تلميذا. هؤلاء كانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا المعمدان فقط، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يجهلون حق الإنجيل الكامل الخاص بحضور الروح القدس وعمله في المؤمنين، والرسول بولس في حديثه إليهم أدرك ذلك، لذا وجه إليهم سؤالين :
السؤال الأول : " هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟ " (أع 19 : 2) لقد ميز الرسول أن إيمانهم لم يكن مؤسسا على عمل الفادي الذي مات على الصليب والذي قام من بين الأموات. انهم لم يدركوا تعليم الإنجيل الكامل ولم يعرفوا أن الروح القدس أتى لكي يسكن في المؤمن في اللحظة التي فيها يقبل الرب يسوع مخلصاً، لذا أجابوا قائلين " ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس " أن الحق الإلهي الصريح هو أن سكنى الروح القدس في قلب الإنسان هي البرهان الوحيد على أنه مسيحي حقيقي " إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له (أي ليس للمسيح) " (رو8 : 9) وهل كان ممكنا أن تبنى الكنيسة في أفسس على أساس معمودية يوحنا؟
لذا وجه الرسول بولس إليهم سؤاله الثاني :
ولقد وضع الله ختم المصادقة على كرازة الرسول بولس بأنه " كان يصنع على يديه قوات غير المعتادة حتى كان يؤتي عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى فتزول عنهم الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة منهم " (أع19 : 11،
)
وجدير بالملاحظة أن اهتمام ديمتريوس الرئيس كان بالخسارة المادية التي تلحقه هو والصناع بسبب كرازة بولس فقد قال لهم " تعلمون أن سعتنا إنما هي من هذه الصناعة " (ع 25) أما هدم عظمة الإلهة ديانا فكان أمرا ثانويا بينما كان ربح المال أمرا رئيسيا.
وإن رجلا يهوديا حكيما اسمه اسكندر خاطب الجمع فاستطاع أن يسكن هياجهم وان يصرف المحفل (ع 33- 41).
وبعدما انتهى الشغب دعا بولس التلاميذ و ودعهم وخرج ليذهب إلى مكدونية* (أع 20 : 1) ولكن خدمته في أفسس لم تنته عند هذ1 الحد، فأنه إذ كان بعد ذلك بوقت قصير في ميليتس القريبة من أفسس استدعى قسوس (أي شيوخ) تلك الكنيسة (أفسس) حيث خاطبهم خطابه الوداعي حاثا اياهم بأنهم كأساقفة (أي نظار) يجب عليهم بأن يرعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه، لأن ذئابا خاطفة ستدخل بينهم، وان من بينهم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم، لذ يستودعهم لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيهم وتعطيهم ميراثا مع جميع المقدسين (أع 20 : 17-38)
وفي رسالته الأولى إلى تيموثاوس (1 : 3، 4) يقول بولس بأنه طلب إلى تيموثاوس بأن يمكث في أفسس لكي يوصي المؤمنين هنالك بأن لا يعلموا تعليما آخر وأن لا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها.
إن هذه الرسالة هي بحق أسمى كتابات الرسول بولس، واننا إذ نتصفحها كأننا نقف على رابية مرتفعة ومقدسة. ليس معنى ذلك أننا نقلل من قيمة أو أهمية بقية الرسائل أو الأسفار الإلهية الأخرى، لأن " كُلُّ الْكِتَاب هو مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ " (2 تي 3 : 16) ولكن من ذا الذي يستطيع أن ينكر أن الروح القدس، في هذه الرسالة، أمام اللثام عن أسرار ومقاصد ومشورات إلهية لم تكن معروفة من قبل ولم تعلن بوضوح وبكل تفصيل في الرسائل الأخرى، كما أنها لم تعلن قط في أسفار العهد القديم؟ (أف 3 : 5و9).
وبعد أن يذكر الروح القدس اسم كاتب الرسالة وخدمته يشير إلى الذين كتبت هذه الرسالة إليهم " إلى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أفسس " فمع أن الرسالة موجهة إلى الكنيسة باعتبارها " جسد المسيح " إلا أن الروح القدس يخاطب المؤمنين فيها أيضاً كافراد " إلى الْقِدِّيسِينَ " فانه من الأهمية بمكان أن يعرف كل واحد في كنيسة الله أن الروح القدس يخاطبه فيها شخصيا، وأن يستوعب ما يقدمه له من الحقائق، سواء التعليمية أو العملية، وأن يدركها ويشبع به ويسير عمليا بموجبها.
" إلى الْقِدِّيسِينَ َ " ان المعنى الأصلي لكلمة " قديس " هو مفرز لله أو مخصص له. ليس معنى ذلك أن المؤمنين صاروا قديسين بسبب قداسة تميزوا بها عن سواهم، فليسوا هم الذين بسبب قداستهم أو تقواهم صيروا أنفسهم أو صيرهم الناس قديسين، ولكن الرب يسوع المسيح، على أساس ذبيحته الكاملة، قد صيرهم قديسين (عب 10 : 10، 13 :
). حسنا كتب أحد خدام الرب الموهوبين(1) تعليقا على كلمة " الْقِدِّيسِينَ " في هذا الفصل " إننا لا نصبح قديسين بسبب قداستنا بل يجب أن نحيا حياة القداسة لأننا قديسون "
وقد أشار أحد خدام الرب إلى هذه التسبحة فقال " إن هذا الفصل (عدد 3-14) هو بمثابة أنشودة تسبحة مكونة من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يشير إلى الماضي البعيد – إلى الأزل وموضوع الله الآب وينتهي بهذه الكلمات " لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ " (ع 3-6) والجزء الثاني يشير إلى الزمان الحاضر وموضوعه الله الابن وينتهي بهذه الكلمات " لِمَدْحِ مَجْدِهِ " (ع7-
) والجزء الثالث يشير إلى المستقبل وموضوعه الله الروح القدس ويختم بالقول " لِمَدْحِ مَجْدِهِ " (ع13و14) وإن هذه الأجزاء الثلاثة يربطها معا ربنا يسوع المسيح " فِي الْمَحْبُوبِ " (ع6) " فِي الْمَسِيحِ " (ع
) " فِيهِ " (ع13) " مُبَارَكٌ اللهُ " أننا نباركه – نتعبد له لأنه، له المجد، قد باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح"
إن إله وابا ربنا يسوع المسيح قد " بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السماويات " ما أسمى هذا الحق! انها ليست بركات يريد الله أن يباركنا بها أو أن يمنحنا اياها مستقبلا، ولكنه قد باركنا بها فعلا. باركنا بكل بركة روحية، فهي ليست بركات أرضية كبركات العهد القديم. ليست بركات مادية أو جسدية ولكنها بركات روحية. لقد باركنا " بكل " بركة روحية، فلا توجد لديه تعالى بركة إلا وقد أجزلها لنا، كنا انها ليست من الأرض ولكنها سماوية " في السماويات " أي دائرتها " الأماكن السماوية " لقد كانت بركات إسرائيل أرضية، وقد فقدها بسبب عدم أمانته، ولكن بركات الكنيسة سماوية، والذي يكسبها جمالا وجلالا هي انها " في المسيح " انها في المسيح وللذين هم " في المسيح ".
جميل حقاً أن نعرف وندرك أننا قد بوركنا بكل بركة روحية، ولكن السؤال المهم هو : هل نحن متمتعون فعلا بكل هذه البركات الروحية السماوية؟ أن لنا ثروة لا يمكن أن تقدر بثمن – لنا غنى المسيح الذي لا يستقصى، ولكن هل نحن متمتعون عمليا بهذه الثروة وبهذا الغنى أم نحيا هنا كأننا فقراء؟ أن كانت امتيازاتنا وبركاتنا سماوية فيجب أن تكون حياتنا واختباراتنا سماوية أيضاً.
إن كلمة " نحن " في هذا العدد هي قاصرة على الذين آمنوا بالمسيح من اليهود، أما كلمة " أنتم " (في ع 13) فهي خاصة بالمؤمنين الحقيقيين من الأمم، فكأن الرسول بولس أراد أن يقول بأننا نحن (المؤمنين من اليهود) الذين " سبق رجاؤنا " أي آمنا أولاً بالمسيح سنكون " لمدح مجده " اما بقية إسرائيل فانهم بسبب رفضهم للمسيح لن يكونوا لمدح مجده. صحيح أن مجد الرب سيشرق على الذين سوف يؤمنون به منهم في التدبير الآتى " قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ " (اش60 : 1) وسيتحقق ذلك لهم عندما يرون الملك في بهائه. في ذلك اليوم
لقد علم الرب تلاميذه بأن يطلبوا من الآب عطية الروح القدس (لو11 : 13) وقد استجاب الآب طلبتهم هذه في يوم الخمسين إذ أعطاهم الروح القدس (أع2) لقد أرسله من السماء ليسكن في المؤمنين – في كل مسيحي حقيقى، فلا يوجد مؤمن واحد لم يعط الروح القدس " إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ فَذَلِكَ (الإنسان) ليْسَ لَهُ (أي أنه ليس للمسيح) " (رو8 : 9) فهل يليق بعد ذلك أن يطلب المؤمن حلول الروح القدس الذي ختم به وسكن فيه؟ وألا يكون عدم إيمان شنيع لوأن التلاميذ طلبوا من الله أن يرسل إليهم المسيح بينما كان موجودا معهم؟ كذلك فإن من الخطأ وعدم الإيمان أن يطلب المؤمنون انسكابا جديدا للروح القدس أو يوم خمسين آخر بينما الروح القدس قد أتى فعلا من السماء وسكن في جميع المؤمنين الحقيقيين. صحيح أن من واجبنا أن لا نحزن الروح القدس وان لا نطفئه، بل بالحري يجب أن نصلى باستمرار لكي نتأيد بقوة الروح القدس في الإنسان الباطن " أمْتَلِئوا بِالرُّوحِ " (أف4 : 30، 1تس5 : 19، أف3 : 16،5 : 18).