[size=21]
[size=21]كلمة ميطانية prostration هي كلمة يونانية تعني التوبة أو تغيير النية ومراجعة الضمير. سواء أكان ضميرنا من نحو الله أو من نحو الآخرين. حيث تُقدَّم الميطانيه أمام الله على مستوى خاص، بينما تقدَّم للآخرين، وإنما على مستوى آخر.
في معناها الأول تأتي الميطانية كتعبير عن التذلل والانسحاق والخضوع التام والتعبير عن الندم والرغبة في نوال البركة والصفح، حيث تلامس الجبهة التراب، تتذكر أنها من تراب الأرض جُبِلَت، فتستجلب مراحم الله على ضعف الطبيعة البشرية.
ولكن الميطانية في أروع صورها هي الانسكاب عند قدمي المسيح، لتقديم كل ما يملكه الساجد من حب وعاطفة وامتنان أمامه. لذلك فإن السجود يكون مبهجاً، تكتنفه عاطفة روحية جياشة من نحو الله.. فيقول مار إسحق: "كلما استنار الإنسان في الصلاة، كلما شعر بضرورة وأهمية عمل الميطانيات ويحلو له الثبات فيها، فكلما يرفع رأسه ينجذب من فرط حرارة قلبه للسجود؛ لأنه يحس بمعونة قوية في ذلك ويزداد فرحه وتنعمه".
الميطانية أيضاً هي حركة شخصية مختصرة للعبادة، وهي اعتراف عملي بسيادة الله وخضوعنا له؛ فإن عمل الميطانيات هو تدبير قائم بذاته كطقس عبادة لله، إذا توافر مع أدائها انسحاق القلب والشعور بالمهابة قدام الله أثناء السجود. والميطانية هي الوسيلة التي نعبر بها عن طرحنا لهمومنا ومتاعبنا وأثقالنا، وذلك عند قدمي المسيح الذي قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (إنجيل متى 28:11).
وتمارَس الميطانية أيضاً للاستعطاف، وإطفاء لهيب الغضب، وامتصاص شحنة الكبرياء، وتهدئة المشاعر المضطربة، على أن تقدم الميطانية بصدق وعن قلب منسحق. وعندما نصنع ميطانية أمام آخر يتغير فكرنا من نحوه، ونغير فكره من نحونا، ونبدد الخيالات من جهته ونطرد الأفكار المزعجة عنه.
وفي التدبير الرهباني، شاعت الميطانية -إلى جانب ما سبق- لتعبر عن أدب رهباني سليم.. كنوع من التوسل لتتميم أمر ما، أو في المقابلات كنوع من الوقار والخشوع والمحبة.
وبهذا فإن الميطانيه ليست حركة جسدية فحسب، ولكنها حركة قلب منسحق وضمير تائب وجسد يقدم نفسه ذبيحة حية لله، إما في هيكله المقدس أو لصورة الله في الآخرين، فهي تبدأ في الداخل..
الميطانيات و الصحة الجسدية:
كذلك فإن الميطانيات مفيدة أيضاً للجسد، على أننا لا نمارسها كرياضة جسدية، ومع ذلك فهي مفيدة لا سيما في الصباح؛ حيث يحتاج الجسم أيضاً إلى نشاط وتحريك لدورته الدموية، وجعله مستعداً لمزاولة نشاطه اليومي بشكل أفضل. هذا المقال من موقع كنيسة الأنبا تكلا.
واليوم يقول أخصائيو العلاج الطبيعي أن الميطانيات التي يصنعها الرهبان وبعض من الذين في العالم، تقدم فائدة جسدية كبيرة للجسم؛ إذ تجعله في حالة لياقة بدنية مستمرة وتخلصه من الترهّل وتجنبه الكثير من أمراض العمود الفقري، إذا مورِسَت بطريقة سليمة.
أنواع الميطانيات و ممارستها:
الميطانية ليست مجرد إنحناء أو ركوع أو انطراح، ولكنها حركة من أعلى إلى أسفل تعقبها حركة مضادة: من أسفل إلى أعلى. فعندما يحني الساجد ركبته فإنه يشعر في داخله أنه بالخطية تذلل وانحدر من أعلى، ويكرر ذلك بحسب العدد الذي ينصحه به أبوه الروحي، ومن هنا تمثل الميطانية حركة الحياة.. حركة الجهاد المستمر، بالتهاون نسقط وبالثقة في المسيح نقوم ونسقيم..
وللميطانية ثلاثة أشكال:
1- التطامن بالرأس: أو مجرد إحناء الرأس بينما الجسم يكون منتصباً، مع ضم اليدين إلى الصدر، إما في شكل الصليب أو ضمّهما مستويين إحداهما على الأخرى، ووضعهما معاً على الصدر، وهو ما يحدث في القداس الإلهي عدة مرات، عندما ينادي الشماس على الشعب: "احنوا رؤوسكم للرب" (ستجد نص القداسات الإلهية موجودة هنا بموقع الأنبا تكلا)، وذلك عدة مرات سواء عند قراءة التحاليل في نهاية رفع البخور، أو عندما يخضعون برؤوسهم عند تحليل الخدام..
2- الركوع: وتنتشر هذه الطريقة أكثر بين رهبان الغرب، حيث يطلق عليه Semi-prostration أي نصف ميطانية أو ميطانيه جزئية، وفيها يركع المصلي على ركبتيه، بينما ترتفع يداه لأعلى في شكل الابتهال.
3- السجود: أو الميطانية الكاملة Full Prostration، وهي السجود الكامل حيث تلامس الجبهة الأرض. وتمارس الكنيسة هذا النوع من السجود الكامل عدة مرات في القداس الإلهي؛ فعند حلول الروح القدس على الأسرار في لحظات مهيبة يسجد الشعب..