تكلفة الخدمة
نحن جهَّال من أجل المسيح .. ضعفاء .. بلا كرامة! .. نجوع ونعطش ونعرَى ونُلكم وليس لنا إقامة .. نُشتم .. نُضطهد .. يُفترى علينا.. صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء ( 1كو 4: 10 - 13)
في 1كورنثوس4، الأصحاح الذي يُفتتح بالقول: «فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح»، أراد بولس أن يقدم أوراق اعتماد خدمته للكورنثيين، الذين انصاعوا لحملة التشكيك في رسوليته وصِدق خدمته. وبدلاً من أن يبيِّن نقاط تميزه ومواهبه المتعددة، ودعوته المُميَّزة، والكثير من امتيازاته التي يعوَّل عليها، إذ به يقدم لهم كشف تكاليف. إنه يدلل على صحة خدمته بحجم ما تكلف فيها!! فماذا عن خدمتنا إن قسناها بهذا المقياس؟!
وقبل أن نبدأ في الحديث عن تكاليفه، يجدر بنا أن نذكر أننا نتكلم عن «رسول»، بكل ما تحويه الكلمة من كرامة واجبة، وفي الوقت ذاته هو صاحب امتيازات دينية وعائلية وأدبية ليست بقليلة ( في 3: 4 - 8؛ أع21: 39..)، وهذا سيضفي بُعدًا أعمق للتكلفة.
أول كُلفة في طريق الخدمة نراها في قول بولس: «نحن جهَّال من أجل المسيح .. ضعفاء .. بلا كرامة! .. نُشتم .. نُضطهد .. يُفترى علينا.. صِرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء». باختصار، في سبيل الخدمة هناك تنازل عن الكرامة الشخصية، والحقوق المشروعة، والاحترام الواجب، وكم بالأحرى الرغبات التي ينشئها الجسد، من تمحور حول الذات، وحب للظهور، ورغبة في الانتقام، وغيرها من نواتجه الفاسدة. فهل نحن على استعداد لتحمل مثل هذه التكلفة؟! كم عطلتنا كبرياؤنا عن الكثير من الإثمار لمجد الله؟! وفي مقابل عدم المساس بكرامتنا وافتخاراتنا، كم أَضعنا من نفوس، وعثَّرنا آخرين، وكدَّرنا صفو الوئام بين جماعة القديسين؛ وبقينا في الوقت ذاته معدودين من الخادمين؟!
ثم يكمل بولس: «نجوع ونعطش ونَعْرَى ونُلكم وليس لنا إقامة». لقد كان على استعداد أن يتنازل، في سبيل خدمته، عن أبسط حقوقه، بل أبسط مقومات الحياة الطبيعية: الأكل، والشرب، والملبَس، ومحل الإقامة. ويا له من امتحان!! هل نحن على استعداد أن نضحي، ولو بجزء فقط، من احتياجاتنا الضرورية لأجل عمل الرب؟ هل نقبل احتمال، لا أقول العطش، بل ظروف إقامة صعبة مثلاً في مكان الخدمة؟ هل يمكن أن يتم فينا القول: «لم تتيسَّر لهم فرصة للأكل»، حتى نوفر الوقت لخدمة السيد؟ هل نحن على استعداد، لا أن نعْرَى، بل أن نعطي الثوب الثاني من أجل مجد الله ( لو 3: 11 )؟ وهل نتخلى عن ”دائرة الراحة“ ونتعب عاملين بالمحبة؟