3- الآب ضابط الكل من حيث لاهوته وعمله:
الله الآب هو أب للابن فى الثالوث، وهو أب لكل المؤمنين به. "والآب لم يره أحد قط الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر" (يو1: 18). فنحن لا نرى الآب إنما نراه فى ابنه الذى تجسد وصار فى الهيئة كإنسان فى شبه الناس (فى2: 7- لذلك فإن كل الظهورات فى العهد القديم كانت للابن، لأنه هو الذى يعلن لنا ويخبرنا عن الآب الذى لم يره أحد قط.
كما أن أبوة الآب للابن هى أبوة من حيث الطبيعة الإلهية، أما أبوة الآب لنا نحن البشر، فهى من حيث وضعنا بعد الإيمان بالمعمودية، حيث أصبحنا أولاد الله " أما الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو1:
)
وعبارة ضابط الكل: أى أنه يضبط كل الكائنات، ولا يخرج شئ أو أمر عن تدبيره ورقابته. كما أن عبارة "الكل" تدل على الشمولية للسمائيين والأرضيين، سواء كانت كائنات عاقلة أم غير عاقلة أو جامدة. الكل تحت سلطانه بما فيها الملائكة والشياطين. فالشيطان ليس إلهاً للشر بل هو مخلوق تحت السيطرة لله ضابط الكل.
+ خالق السماء والأرض ما يرى وما لا يرى....
عبارة خالق هى صفة من صفات الله وحده. كما تعنى أن هناك خلقة من العدم من اللاموجود. فالله من طبيعته أنه يخلق، أما الإنسان فأقصى شئ يصل إليه أن يكون صانعاً لا خالقاً، ويكون بالعقل الذى خلقه الله.
كما أن الآب خالق السماء والأرض، أى خالقها بما فيها من كائنات وموجودات حية مرئية وغير مرئية، الأرض والسموات.
+ كما أن الآب خالق كل شئ بالابن
وهو حكمة الله وقوة الله (1كو1: 23، 24). وبذلك يكون الله خلق كل شئ بعقله، بحكمته، بنطقه، أى بالابن. لذا يقول القديس بولس الرسول عن الابن "الذى به أيضاً عمل العالمين" (عب1: 2). ويقول الإنجيل للقديس يوحنا "كل شيء به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3)
+ ألوهية السيد المسيح:
4- "نؤمن برب واحد يسوع المسيح"
بعد أن تكلم قانون الإيمان عن الأقنوم الأول "الآب" انتقل إلى الحديث عن الأقنوم الثانى"أقنوم الابن" أنه هو الرب يسوع المسيح. وكلمة رب تعنى سيد أو إله. وقد استخدمت كلمة رب فى قانون الإيمان بالمعنى الثانى "إله". والسيد المسيح انطبقت عليه كلمة (رب) فى الإنجيل المقدس بتعبير يدل على لاهوته.
والقديس كيرلس الاسكندرى يعتبر أن عبارة "رب واحد يسوع المسيح" هى مفتاح الإيمان الأرثوذكسى السليم. وهى العبارة التى جعلت القديس كيرلس يسجل أكثر من مرة أننا "نتبع الآباء"، وأننا نتمسك بالتسليم الرسولى، لأن المسيح هو الذى سلم الإيمان، وهو بنفسه كان حاضراً فى جلسات المجمع النيقاوى (شرح قانون الإيمان- فقرة4). وبذلك تبين عبارة قانون الإيمان أن يسوع المسيح هو الله الظاهر فى الجسد، لأن الجسد اتحد بشكل فائق سرى بالأقنوم الثانى دون أن يتغير أو يتحول إلى طبيعة الجسد، ولا أن امتزج أو تحول إلى خليط من الناسوت واللاهوت فى جوهر جديد.
+ ابن الله الوحيد
عبارة ابن الله الوحيد تعنى أننا رأينا الله الآب غير المنظور من خلاله. كما انه هو ابن الله لأنه فى لاهوته وطبيعته من طبيعة الله وجوهره. واستخدام السيد المسيح لكلمة "الابن" لأنه ليس فى لغة البشر ما يعبر عن العلاقة والمطابقة التامة بين الرب يسوع والله الآب غير لفظ الابن. ولهذا قال السيد المسيح "من رآني فقد رأى الآب....صدقونى أنى فى أبى وأبى فىّ" (يو14: 9-11)، وكذلك "أنا والآب واحد" (يو1: 3)
كما أن عبارة "الوحيد" أى انه ليس له نظير فى هذه البنوة، فهى بنوة متفردة فى الثالوث، عن أى بنوة أخرى فى عالم الإنسان أو الحيوان .......الخ.
+ المولود من الأب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق:
فالابن مولود من الآب منذ الأزل ولادة متفردة، ليس لها مثيل فى الوجود كله فليست بنوة زمنية ولا بنوة جسدية، بل هى بنوة روحية مستمرة للأبد كولادة النور من النور. فقد قيل عن الآب أنه " ملك الملوك ورب الأرباب.... ساكناً فى نور لا يدنى منه الذى لم يره أحد من الناس" (1تى6: 15-16) فالآب نور بالمعنى اللاهوتي وليس بالمعنى المادى. والابن المولود منه هو نور من نور، أى من نفس طبيعته اللاهوتية، وله نفس الصفات الإلهية.
+ إله حق من إله حق:
أى أن الابن هو إله بالحقيقة من نفس طبيعة الإله الحقيقى، وليس مثل الذين دعوا آلهة بمعنى سادة وليس هم آلهة بالحقيقة. فموسى النبى قال له الله" جعلتك إلهاً لفرعون" (خر7: 1)، وكلمة إله هنا لا تعنى أنه خالق أو أزلي أو قادر على كل شئ، ولكن إله بمعنى( سيد). لأن موسى إنسان وليس من طبيعة الله.
فالابن هو نفسه من طبيعة الآب ومن جوهره، فلاهوت الابن هو نفسه لاهوت الآب والروح القدس المالئ كل مكان له كل الصفات الإلهية.
+ مولود غير مخلوق:
تعنى أن الابن إذا كان قد أخذ جسداً مخلوقاً من العذراء فى ملء الزمان، إلا أن لاهوته غير مخلوق، فالابن بلاهوته مولود من الأب بولادة تفوق الإدراك والعقل، ولادة روحية. كما يولد الفكر من العقل، وكما يولد شعاع النور من الشمس. وهنا يعطى قانون الإيمان الفهم الصحيح عن ولادة المسيح من الآب ضد تعليم الأريوسيين.
+ مساو للأب فى الجوهر:
الأريوسيون يعتمدون على الآية الواردة فى( يو14: 28)"أبى أعظم منى " معتبرين أن الابن أقل من الآب فى الجوهر، وغير مساو له فى كل شئ.
لم يفهم الأريوسيين أن عبارة "أبى أعظم منى " قيلت عن حالة إخلاء الذات فى الجسد إذ أن السيد المسيح "إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله، لكنه أخلي نفسه أخذاً صورة عبد، صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب"(فى2: 6-. وهنا صورة العبد الذى أخذها هى حالة الإخلاء، مع بقاء جوهر اللاهوت كما هو لم ينقصه تواضع الناسوت شيئاً.
+ الذى به كان كل شئ:
وهنا يريد قانون الإيمان أن يوضح أن الابن له صفة الخلق مثل الآب "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو1: 3). وهذا يعنى أن الآب خلق كل شئ بالابن، لأنه هو عقل الله وقوته وحكمته(1كو1: 24).